
قال وزير الشؤون الخارجية والتعاون الافريقي والموريتانيين في الخارج محمد سالم ولد مرزوك ان موريتانيا تستضيف ازيد من 250 الف لاجئ مالي واكملت الوضعية القانونية لحوالي 150 الف مهاجر مع احترام كامل حقوقهم .
خطاب الوزير ولد مرزوك في الدورة الثمانين للجمعية العامة للامم المتحدة.
سـم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على أشرفا الانبياء المرسلين؛
السيد الرئيس؛
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو؛
صاحب المعالي أنطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة؛
أصحاب المعالي والسعادة؛
السيدات والسادة؛
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
أود، في مستهل هذه الكلمة، أن أتقدم بأحر التهانئ لمعالي السيدة أنالينا بيربوك Annalena Baerbock على توليها رئاسة الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، مُوقِنا بأن ما تتمتع به من تجربة غنية، وما تمتاز به من كفاءة عالية، سيسهم في قيادتها لهذه الدورة على أكمل وجه.
كما أود أن أتقدم، بجزيل الشكر إلى معالي فيلمون يانغ Philémon Yang على الكفاءة العالية التي قاد بها أعمال الدورة التاسعة والسبعين.
والشكر موصول لمعالي الأمين العام للأمم المتحدة السيد أونطنيو غوتيرس على جهوده الحثيثة لتطوير منظمة الأمم المتحدة وتعزيز دورها.
السيد الرئيس،
السيدات والسادة،
يسعدني أن أنقل إلى جمعكم الموقر تحيات فخامة رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني وتمنياته لهذه الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة بالتوفيق والسداد؛ وقد شرفني فخامته، بأن ألقي، باسمه كلمة الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
إن هذه الدورة تمثل، بطبيعة الحال، فرصة سانحة للاحتفاء بثمانين عاما من الإنجازات التي راكمتها منظمتنا في خدمة البشرية جمعاء في مختلف المجالات، وهي كذلك مناسبة لتشخيص موضوعي لكبريات الاختلالات والنواقص التي طبعت هذا المنحى أو ذاك من مسار الأمم المتحدة على مدى الثمانية عقود الماضية.
وفي هذا الإطار، فإن من الجلي أن عالمنا اليوم عبارة عن عالمين متباينين: أحدهما ينطلق بخطى سريعة نحو الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي، بينما الآخر لا يزال أسير الفقر والتهميش.
وإن اتساع هذه الفجوة باطراد، في ظل ما يطبع الظرف الراهن من تنامي النزاعات والحروب، ليضع الإنسانية أمام امتحان عسير يفرض علينا توحيد الجهود لإبداع حلول كفيلة بتقليص هذه الفجوة عبر تحقيق تنمية عادلة وشاملة محورها الإنسان وحقه في حياة كريمة.
وإن الشعار الذي ينعقد تحته هذا المحفل الدولي الكبير اليوم ليعكس هذه الغاية النبيلة ويلخصها بدقة:” معاً نحقق الأفضل: ثمانون عاما وأكثر من أجل السلام والتنمية وحقوق الإنسان“.
السيد الرئيس،
السيدات والسادة،
إن الظرف العالمي الذي تنعقد فيه هذه الدورة بالغ التعقيد ومثقل بالتحديات؛ ففيه تتوالى التوترات والحروب وبؤر النزاع في مناطق مختلفة وتتفاقم التهديدات الإرهابية والكوارث الطبيعية الناجمة عن التغير المناخي، فتزداد معاناة البشر، وتتضاعف الأعباء الإنسانية على شعوب بأكملها، مما يعرض الاستقرار والسلم الدوليين لمخاطر متزايدة ويعزز الحاجة إلى دور أكثر فاعلية لمنظمتنا الأممية.
وفي هذا الخِضم، تضع حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها أهلنا غزة الضمير الإنساني ومصداقية منظومتنا الدولية عموما أمام اختبار مصيري.
ونحن في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، إذ نندد بهذا العدوان لنجدد وقوفنا إلى جانب الشعب الفلسطيني مجددين التأكيد بأن العنف لا يمكن أن يجلب أمنا وسلاما مستديمين وأن استقرار الشرق الأوسط بمجمله يمر حتما بتمكين الشعب الفلسطيني الشقيق من استيفاء حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية طبقا للقرارات الدولية ذات الصلة ومبادرة السلام العربية.
وفي هذا الإطار، نعبر عن ارتياحنا لما نلمسه من ديناميكية في العمل على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، يجسدها بقوة التصويت الواسع في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح إعلان نيويورك بشأن تنفيذ حل الدولتين الذي تمخض عنه المؤتمر الدولي رفيع المستوى المنعقد في يوليو 2025 بمبادرة من المملكة العربية السعودية والجمهورية الفرنسية.
ولا يفوتني، في هذا المقام، أن أتقدم، باسم بلادي، بالشكر لكل من المملكة العربية السعودية والجمهورية الفرنسية على تنظيم المؤتمر المذكور رغم التحديات والعراقيل، مشيدا بمواقف البلدان التي أعلنت اعترافها بدولة فلسطين، وآملا أن تحذو بلدان أخرى حذوها في تغليب منطق الحق والعدل حتى تصبح فلسطين دولة كاملة العضوية في منظمة الأمم المتحدة.
وفي نفس هذا السياق، تعرب بلادنا مجددا عن إدانتها الشديدة للعدوان الاسرائيلي الأخير على دولة قطر الشقيقة ، والذي شكل خرقا سافرا لسيادة هذه الدولة الشقيقة و لكل الأعراف والمواثيق الدولية .
كما نؤكد دعمنا للحلول السلمية في ليبيا والسودان واليمن وسوريا ومساندتنا للجهود الأممية بشأن الصحراء الغربية، داعين إلى إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية عبر التفاوض بما يجنب العالم مزيدا من المآسي.
وإننا لنشيد في الوقت ذاته باتفاقات السلام بين كل من روندا والكونغو الديمقراطية من جهة، وباكستان والهند من جهة أخرى.
السيد الرئيس
السيدات والسادة
في عالم تُثقل فيه النزاعات والفقر والمرض والتغير المناخي كاهل الإنسان، تتأكد الحاجة الى حوكمة دولية سياسية واقتصادية وصحية أكثر عدلا وفعالية، تضع حياة البشر وكرامتهم في صدارة الأولويات.
ولا يتحقق ذلك إلا بإصلاح متوازن يعيد الثقة في الأمم المتحدة، ويجعلها أقدر على الوفاء بمقاصدها النبيلة في حفظ السلم والأمن وبناء عالم أكثر إنصافا.
ولذا فإن بلادي تجدد التزامها بالمطالب المشروعة لقارتنا الإفريقية، كما وردت في تفاهمات ايزولويني Ezulwini ، من أجل تمثيل منصف في هياكل الحوكمة العالمية.
كما تدعو المجتمع الدولي إلى مؤازرة الدول النامية في مواجهة تحديات الأمن الغذائي والتغيرات المناخية، ومشكل المديونية، دعما لسعيها إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
السيد الرئيس،
السيدات والسادة،
إن الجمهورية الإسلامية الموريتانية تضع تعزيز دولة القانون والحكامة الرشيدة، وترسيخ قيم العدالة والمساواة، في صدارة أولوياتها. ولذا فقد وضعت قيد التنفيذ من الاستراتيجيات، والإصلاحات الهادفة إلى تكريس الشفافية في تسيير الشأن العام، وإصلاح القضاء وتعزيز استقلاليته، ودعم دور البرلمان في الرقابة والمساءلة، بما يضمن محاربة الفساد وحماية الحقوق والحريات وتوطيد الثقة بين المكونات الوطنية.
وفي ذات السياق، وتكريسا لصورة موريتانيا كأرض للاستقرار والتوافق وكدولة قانون، اختار فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أن يجعل من الحوار نهجا ثابتا في تدبير الشأن العام، حرصا منه على إشراك جميع الموريتانيين وترسيخ الحكامة الرشيدة.
وفيما يتصل بحماية اللحمة الاجتماعية، تعمل حكومة بلادي على جعل التنمية في خدمة المواطن حيثما كان، عبر برامج مهيكلة تجسد العدالة المجالية، فتشيّد السدود، وتبني المدارس، وتنشئ المراكز الصحية، وتوفر مقومات الحياة الكريمة لآلاف الأسر في القرى، بما يعزز التضامن الوطني ، في انسجام تام مع مسار ترسيخ دولة القانون وتوطيد أسس الحكامة الرشيدة.
وبفضل برنامج التأمين الصحي الشامل للأسر الهشة، تضاعف عدد المستفيدين بنسبة 147% بين عامي 2019 و2024، ليصل إلى ما يعادل حوالي 21% من إجمالي السكان.
وعلى صعيد حقوق الإنسان، عززت بلادي منظومتها الحقوقية من خلال مكافحة آثار الاسترقاق بكافة أشكاله، والتصدي لظاهرة الاتجار بالبشر عبر آليات قانونية ومؤسسية راسخة.
كما تستضيف بلادنا قرابة 250 ألف لاجئ من مالي، وقد أكملت تسوية الوضعية القانونية لأكثر من 150 ألف مهاجر في ظروف تحترم كامل حقوقهم وتصون كرامتهم.
وفي إطار أولوية بناء الإنسان، أطلقت بلادنا عملية إصلاح تربوي شاملة بمشاركة الفاعلين التربويين، تهدف إلى تطوير البرامج التعليمية وطرق التدريس، وتعزيز قيم المواطنة، إلى جانب برامج للتكوين المهني تهدف إلى تأهيل الشباب لسوق العمل.
كما تم تعزيز دور المرأة في الحياة العامة والسياسية، وتحسين فرص الوصول إلى الخدمات الصحية.
وفي مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، تتبنى البلاد استراتيجية متكاملة تجمع بين التدابير الأمنية والمناهج الفكرية والتربوية، مع تعزيز قيم العدالة والتعاون الإقليمي والدولي.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تواصل البلاد تنويع اقتصادها لتعزيز قدرته على خلق فرص العمل ومواجهة الأزمات، حيث سجل نمواً بنسبة 5% في 2024، مع توقعات بمعدل تضخم لا يتجاوز 2.5%.
وفي إطار الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، شهدت البلاد إطلاق مشاريع نوعية، منها محطة هجينة للطاقة المتجددة بقيمة 300 مليون دولار، واعتماد قانون الهيدروجين الأخضر، وتوقيع اتفاقيات دولية كبرى، بالإضافة إلى إطلاق مشروع DREAM المدعوم من البنك الدولي.
كما تتواصل الجهود لمكافحة التصحر والحفاظ على التنوع البيئي، وتتطلع بلادنا إلى المشاركة الفاعلة في قمة المناخ (COP30) في البرازيل لدفع الوفاء بالالتزامات الدولية للحد من الانبعاثات وتمويل التكيف مع التغير المناخي.
السيد الرئيس،
السيدات والسادة
إن الجمهورية الإسلامية الموريتانية لملتزمة بالعمل على تعزيز التعاون المتعدد الأطراف وإصلاح منظومة الحكامة الدولية السياسية والمالية بالنحو الذي يقوي قدرتنا الجماعية على تحقيق أهداف التنمية المستدامة وستظل - بحول الله وقوته - وفية لنهجها القائم على الإسهام في تعزيز الأمن والسلم إقليميا ودوليا وتنويع وتوطيد الشراكات في سبيل رفع مختلف التحديات التي تواجه بلدنا وقارتنا والعالم عموما على طريق تحقيق حياة آمنة وكريمة للجميع.
أشكركم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته